ما علاقة اعتكاف حسان دياب بدوروثي شيا؟
لمّ تكُن صرخة الرئيس حسان دياب أمس السبت وليدة ساعتها، بل أتت بعد تراكم الأزمات وتفاقمها خلال الشهور الأخيرة الماضية والتي انفجرت أخيراً في الشارع؛ فقد ضاقَ صدر الرجل ذرعاً. ومنذ أسابيع جالَ دياب على رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي والرئيس المكلّف لحثّهم على تأليف حكومة جديدة مقدماً أفكاراً للحل، دون جدوى.
اليوم، وبعد مشهد الغضب الشعبي والإحتجاجات والأحداث الأمنية المتتالية ودخول جهات إستخبارية داخلية – خارجية على الخط، أيقن دياب أنّ اللحظة أتت وأنّ الهيكل بدأ بالسقوط على رؤوس الجميع. فالمسؤولية باتت كبيرة لا تحتملها الجبال؛ هناك من يريد تحميل الرئيس “المُصرّف للأعمال” مسؤولية أي أزمة تنفجر أو حدث يحصل لرمي كرة النار على السراي. حُمِلّ مسؤولية توقف الدولة عن سداد الديون الخارجية العام الماضي وتفجير مرفأ بيروت في آب المنصرم وارتفاع سعر الصرف ومسؤولية الإنهيار القائم… رغم أنه “ما صرلو بالقصر من مبارح العصر”. سنة كاملة وبضعة أشهر قضاها دياب في السراي لمّ يشعُر خلالها بيوم استقرارٍ واحد، فيما يتعرّض لضغوطٍ سياسية ونفسية هائلة من جهات عدة. هذا عدا عن التهديد الأمني الذي يلاحقه كظله.
بعبدا والنائب السابق وليد جنبلاط وقوى أخرى يطلبون منه تفعيل حكومته لمواجهة الأزمات وتلبية حاجات المواطنين؛ فيما الرئيس سعد الحريري ومعه الطائفة السنية يرفضون ذلك مُطلقاً وكذلك الرئيس نبيه بري لمخالفة الدستور. لكُلِ طرفٍ مصلحته من موقفه هذا. لكن الأهم أن الرئيس المُسّتقيل لوّحَ بالإعتكاف. فهل يفعلها؟ وماذا يعني ذلك في الدستور؟ وما هي مفاعيل هذه الخطوة السياسية وانعكاسها على الأوضاع الاقتصادية والمالية والصحية؟
دياب معتكف منذ استدعائه للتحقيق
يُشير مطلعون على حركة رئيس حكومة تصريف الأعمال لـ”أحوال”، إلى أنّه وبعد قرار المحقق العدلي في انفجار المرفأ القاضي فادي صوان استدعاء دياب إلى التحقيق، شعر الأخير بصدمة وظلم شديدين وبأنّه مستهدف سياسياً وأمنياً. ومُذّذاك الحين انتقل دياب من تصريف الأعمال إلى شبه اعتكاف غير معلن؛ مقلّلاً تواجده في السراي الحكومي، إلا ليوم أو إثنين إسبوعياً لعقد بعض الاجتماعات وترؤس جلسات اللجان المتعلقة بالقضايا المعيشية والبيئية والصحية.
وتتحدث المصادر على أنه باستثناء رئيس الحكومة ونائبته ووزيري الصحة والشؤون الاجتماعية الذيّن يعملون بكدٍ ومسؤولية، فإنّ أغلب الوزراء الآخرين شبه معتكفين يُصرّفون أعمال الضرورة القصوى من منازلهم. ويهمُس البعض في أروقة السراي: “هناك وزراء باتت أسماؤهم منّسية” كوزير البيئة مثلاً الذي لم تطأ قدماه السراي منذ استقالة الحكومة؛ وقد ظهر منذ أيام فقط في اجتماع لجنة التلوث النفطي في الجنوب.
عون نقل لدياب رسائل مع وسطاء
وتشير مصادر “أحوال” إلى أنّ “رئيس الجمهورية نقل إلى السراي رسائل عدة مع وسطاء، يدعو من خلالها دياب إلى تفعيل حكومة تصريف الأعمال لمواجهة الأزمات الملّحة في ظل الظروف الخطيرة في البلد، لأنّ التأليف سيطول إلى أمدٍ بعيد وبالتالي لا يُمكن بقاء الحكومة مكتوفة الأيدي.
وكان عون يهدف للضغط على الحريري، ما وضع دياب بين مطرقة بعبدا وسنّدان طائفته وانفجار الوضع الاقتصادي. فدياب لا يريد أن يُسجّل أنّه خالف الدستور وأغضب طائفته طالما النظام الطائفي هو الحاكم بأمره، وإن خالف رئيس الحكومة توجهات طائفته سابقاً وقبِل التكليف والدخول إلى السراي.
لكن السؤال الذي يتُمّ الهمس به في كواليس السياسة ما الذي سمِعه دياب من السفيرة الأميركية في بيروت دورثي شيا لكي يتّخذ هذا الموقف العاجل والمفاجئ؟ سيّما وأن شيا زارت دياب في منزله يوم الجمعة الماضي. هل سمِع أن الإنهيار بات قابَ قوسيّن أو أدنى فاستعجل دياب تبرئة ذمته وإعادة كرة النار إلى السلطة السياسية، ولذلك دعا مجلس النواب لحسم أمر توسيع حكومة تصريف الأعمال؟
لا نص دستوري يُقارب مسألة الاعتكاف
لا توجد نصوص دستورية واضحة يقارب موضوع الاعتكاف، ما يجعل الممارسة العملية طاغيةً على النصوص. وتختلف الاجتهادات والآراء حول تحديد مفهوم وحدود تصريف الأعمال. إلا في الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور التي تناولت موضوع تصريف الأعمال في معرض تناول صلاحيات رئيس مجلس الوزراء: “لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها، أو اعتبارها مستقيلة، إلّا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال”.
وهنا لا يوجد تحديد واضح لكلمة الضيّق وماذا تشمل؟
يُجمِع الخبراء الذي استوضحهم “أحوال” أن لا تفسير لموقف دياب في الدستور؛ ووضعوه في إطاره السياسي البحت والإنساني ومشاعر التضامن مع المواطنين في الشارع. فلا يوجد شيئ في الدستور اسمه اعتكاف رئيس حكومة تصريف أعمال. وقد شهِد لبنان سوابق عدة لاعتكاف رئيس حكومة أصيل عن ممارسة صلاحياته أو اعتكاف رئيس مكلف عن متابعة تأليف الحكومة؛ لكن ليس هناك اعتكاف لرئيس تصريف أعمال.
علماً أن الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين يؤكد لموقعنا أنه “من واجب الحكومة المستقيلة تصريف الأعمال، ولا يجوز أن تعتكف لأن ذلك يعني تعطيلاً للمرافق العامة؛ سيّما وأنّ الإعتكاف في زمن الإنهيار الاقتصادي والمالي والنقدي والأمني هو هروب من تحمل المسؤولية الوطنية”.
علماً أن هناك سوابق عدة اجتمعت عليها حكومة مستقيلة، منها اجتماع حكومة الحريري لإقرار الهيئة العليا للإشراف على الإنتخابات في الـ2017، فيما اجتمعت حكومة تصريف الأعمال مرتين أبان رئاسة الرئيس سليم الحص وذلك في ظروف إستثنائية. وقالت مصادر مطلعة على موقف عين التينة لـ”أحوال” أن “الريس بري لا يمانع تفعيل الحكومة ولا تحتاج إلى تفسير الدستور، فواجب الحكومة تلبية حاجات الناس في القضايا الملحة”.
تداعيات الإعتكاف
مصادر أحوال تلفت إلى أنّ “حتى اللحظة كلام دياب يبقى في إطار التهديد والضغط على السلطة السياسية لتأليف حكومة جديدة. أما في حال تمادت السلطة فسينفذ كلامه ويعتكف”.
مصادر سياسية حذرت من التداعيات السلبية لهكذا خطوة؛ لأنها ستطيح بآخر هامش تعمل ضمنه الحكومة لتسيير الأعمال ومتابعة وتنظيم بعض الملفات والقضايا المعيشية والمالية والصحية والبيئية. فالرئيس دياب، وإن بحكومة التصريف، لم يألو جهداً خلال الأشهر القليلة الماضية لإيجاد حلول للأزمات عبر ورش العمل واجتماعات اللجان في السراي وذلك للتخفيف من حدة المصيبة على المواطنين، لكن العين بصيرة واليد قصيرة بحسب ما يردد دائماً؛ فدياب جاء على أنقاض دولة بعد بركان 17 تشرين، وحاول تغيير المعادلة وتحقيق إنجازات على المستويين الاقتصادي والاجتماعي ومكافحة الفساد لكن اصطدم بجدار الطائفية ومافيات الأمر الواقع حتى خرج من الحرب معهم منهكاً فكان زلزال المرفأ الضربة القاسمة.
أما في حالة الإعتكاف، فيعني أن لا سلطة قرار بعدها. حكومة تصريف معتكفة ورئاسة جمهورية تواجه جبهات سياسية عدة وشارع غاضب وحصار خارجي ورئيس مكلّف لا يملك أي صلاحية، وفي حال مجلس نواب فلا سلطة تقريرية. وهذا يعني أن البلد بلا رأس، ما سيزيد الأوضاع سواءً على كافة الصعد. وحذرت المصادر من أن الإعتكاف سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والنقدية وسيسرّع في الإنهيار الكبير والإنفجار الاجتماعي وقد يؤدي أيضاً إلى توقف خطة مواجهة كورونا وانهيار النظام الصحي في لبنان.
محمد حمية